<عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوءاً يا وطني.

بسم الله

بسم الله الرحمن الرحيم

متغيرات لم يدركها الفلسطينيون!

مشاركة التدوينة :

بقلم: د. ناجي صادق شراب
2018-08-26
القضية الفلسطينية في مجملها لها مكوناتها الإقليمية والدولية، ولكن يبقى المتغيران المباشران الفلسطيني والإسرائيلي هما الرئيسيان اللذان يحددان مصير القضية والصراع، وهما من يجنيان الربح والخسارة، والمباراة بينهما ينبغي ان تكون صفرية بمعنى الا تحسب ان ما يكسبه طرف هو خسارة للطرف الآخر، هذا صحيح بحسابات الربح والخسارة ، لكن بالحسابات السياسية قد تختلف الأمور. مشكلة الطرفان الرئيسان أنهما تعاملا مع الصراع على أن كل منهما على صواب مطلق، وانه لا يخطىء. ومن ناحية أخرى الخطأ الذي كان يرتكبه أي منهما يستفيد منه الآخر. وقد يكون الطرف الفلسطيني الأكثر خطأ في قراراته وحساباته، وهذا ما يفسر لنا ما آلت الحالة الفلسطينية، والإجابة على السؤال لماذا لم ينجح الفلسطينيون؟ الإجابة على هذا السؤال لها أبعاد إقليمية ودولية، إلا المحدد الفلسطيني يبقى المسؤول الأول عن النجاح. وهنا ينبغي المصارحة والشجاعة في طرح الأسباب التي أدت إلى عدم نجاح الفلسطينيين رغم عدالة قضيتهم، والعديد من قرارات الشرعية الدولية التي تدعم هذه الحقوق، ورغم انه على مستوى التضحيات الشعبية فالفلسطينيون لم يبخلوا مثل أي شعب آخر ناضل من أجل التحرر من الإستعمار وسيطرة قوة أخرى.
الفلسطينيون قدموا الآلآف من الشهداء والآف الأسرى الذين ما زالوا يقبعون داخل السجون الإسرائيلية. وهنا سأحاول أن أقدر أسباب لهذا الفشل من رؤية خاصة، وسأقسم هذه الأسباب إلى مجموعات تتعلق بمستويات القضية الفلسطينية، وأبدأها بالمستوى الدولي وصولا لإدارة الرئيس ترامب:
أول هذه الأسباب: عدم تفهم ومواكبة التحولات في موازين القوى الدولية، وتركيزهم في البداية على القوة السوفيتية، وتجاهل القوة الأمريكية ودورها في صناعة القرار الدولي، وبإنهيار الإتحاد السوفيتي فقد الفلسطينيون قوة دولية هامة ومؤثرة افقدتهم القدرة على التأثير في القرار الدولي.
وثانيا وعلى الرغم من أهمية وزن ودور دول العالم الثالث كقوة عدم الإنحياز إلا إن هذه الدول كان لها حساباتها وتحولاتها السياسية كما نرى اليوم في مواقف البعض منها المؤيدة لإسرائيل، والتي قررت نقل سفارتها للقدس.
وثالثا إهمال دور الشرعية الدولية في البداية، والتنبه لهذا الدور في الفترة الأخيرة، وتجاهل ان الشرعية الدولية تحتاج لقوة لتنفيذها.
رابعا عدم إدراك ان القضية الفلسطينية قضية دولية من منظور الأمم المتحدة لكن في حسابات الدول الكبرى والصاعدة الوضع يختلف. تبقى الأولوية للحسابات الأولى.
وخامسا التحولات في النظام الدولي من التعددية والثنائية والأحادية واليوم لما يعرف بالسيوله الدولية لم تعمل لصالح القضية الفلسطينية.
وأما على المستوى الإقليمي العربي فالأسباب والتغيرات والتحولات في بنية النظام الإقليمي العربي وعلى مستوى الدول ذاتها كانت أكبر من القضية الفلسطينية. وقد يكون المستوى العربي الأكثر تعقيدا في الإدراكات الفلسطينية، فلا أحد يجادل في كون القضية الفلسطينية لها مكونها العربي وتشكل أساسا للأمن القومي العربي، لكن هذه التصورات لم تعد قائمة بالحسابات الفلسطينية، ولا شك أن الدول العربية لم تتوانى عن دعم القضية الفلسطينية، بل إن مصر كدولة محورية دخلت في أكثر رمن حرب من أجل القضية وضحت بأبنائها، وقدمت الدول العربية كالأردن والسعودية والإمارات وقطر والكويت وكل الدول العربية دون إستثناء مساعدات مالية كبيرة، وما زالت تحتضن الآلاف من الفلسطينيين، ولكن ما أقصده ان الفلسطينيين بالغوا في حساباتهم السياسية، وتوقعاتهم، ونسوا أن كل الدول العربية لها أيضا رؤيتها لأمنها القومي ومصالحها الحيوية العليا، ولا يمكن أن تتطابق هذه الرؤى مع الحسابات الفلسطينية.
مشكلة الفلسطينيين أن القناعة وصلت بهم الى انهم من يحددون هذه المصالح، ومن يمنحون الشرعية السياسية لأنظمة الحكم العربية، وهذا أحد أهم الأخطاء التي وقع فيها الفلسطينيون، والخطأ الآخر الذي لا يقل عن ذلك، تصور وإنتقاد فلسطيني أن الدول العربية لن تقوم بما يتعارض وما يريده الفلسطينيون لكن في نفس الوقت ما لم يدركه الفلسطينيون انهم لن يفرضوا على الدول العربية ما يريدون، أو يفرضوا عليهم إتخاذ القرارات والسياسات وكأن الحكومة الفلسطينية هي من تحكم.
والدول العربية لا تنكر القضية الفلسطينية وأهميتها ومحوريتها ولكنهم اليوم يتبنون موقفا أن الفلسطينيين قد وصلوا لمرحلة النضج السياسي وهم يقولون ولكم ما تتخذونه من مواقف، وعلينا تقديم النصائح السياسية، لكن لا تفرضوا علينا ما يتعارض مع مصالحنا. المبالغة الفلسطينية كانت أحد أهم أسباب الفشل على هذا المستوى، ناهيك الإعتقاد الفلسطيني أنهم من يحركون السياسة العربية، وإنغماسهم في الشأن العربي الداخلي، وإرتباطهم مع قوى سياسية وحركات تتعارض مع النظام الحاكم القائم.
الأمثلة كثيره في توتر هذه العلاقات، وتراجعها اليوم، وهذا الموقف قد ينعكس على ما يتم تسميته بالسلام الإقليمي، وبتحديد صورة التحالفات العربية القادمة، وبتحديد من هو العدو المشترك، فلم تعد القضية الفلسطينية من تحدد هذا العدو، بل الإحساس بالخطر الذي يقارب ويتهدد أمن هذه الدول، هذه بعض الحسابات السياسية الفلسطينية التي تفسر لنا الفشل في التعاطي اليوم عربيا مع القضية الفلسطينية، ولا شك ان التطورات الفلسطينية الداخلية من إنقسام وإرتباطات فصائلية بالحسابات الإقليمية العربية ساهمت كثيرا في أسباب الفشل هذه.

مشاركة التدوينة :

مقالات

التعليقات الخاصة بالموضوع :

0 التعليقات :