<عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوءاً يا وطني.

بسم الله

بسم الله الرحمن الرحيم

العدوان على خان يونس:استنتاجات ودروس

مشاركة التدوينة :

افتتاحية مجلة القدس بقلم الحاج رفعت شناعة

في الوقت الذي كان فيه شعبنا الفلسطيني في أماكن تواجده كافة يحتفي، ويحيي ذكرى رحيل الشهيد ياسر عرفات، صاحب العنفوان الوطني والثوري، تجرأت مجموعةٌ صهيونية على انتهاك المناطق الأمنية الفلسطينية شرق خان يونس. واستطاعت أن تصل إلى هدفها وهو القائد القسامي نور بركة، ولم تتمكن من اختطافه كما خططت، بهدف الحصول على معلومات دقيقة حول الانفاق، والخطط العسكرية لدى قيادة حركة حماس. كان الخيار الوحيد أمامهاعند انكشاف أمرها أن تقتلَ الرجل المُستهدفَ ومن معه، وتسرع في الانسحاب، والذي لم يكن ليتم لولا تدخُّل الطيران الحربي، وتأمين الغطاء للمجموعة، كي تتمكن من الانسحاب من أرض المعركة، بعد أن فقدت قائدها وهو برتبة جنرال، وسقوط جريح، أما المقاومة الفلسطينية فقد قدمت سبعة شهداء إضافة إلى الشهيد نور بركة.
تواصل القصف والتدمير الاسرائيلي الذي استهدف أبنيةً، ومراكزَ معينة، منها مقر قناة الاقصى، والقصف تمَّ بعد الاتصال مع الجهات التي كانت تشغل هذه الابنية، وابلاغهم هاتفياً بأن يُخلوا أماكنهم قبل بدء القصف. كافة الأطراف استغربت هذا التصعيد العدواني الصهيوني في هذا الوقت بالذات، حيث  كانت تجري مفاوضات بين قيادة حركة حماس، والجانب الاسرائيلي، يقودها الوفد المصري المكلَّف رسمياً والمرضي عنه فلسطينياً، حيث يقوم بتذليل الصعوبات، وازاحتها من طريق التوصل إلى التهدئة، التي تسعى لها حركة حماس مع الاحتلال، وفي الوقت نفسه كانت قطر تتوسًّط بين الطرفين لتذيل التعقيدات، وتسهيل التوصل إلى اتفاق بعد أن حمل مندوبها ملايين الدولارات، وسلَّمها إلى القيادة الاسرائلية، كي تقوم هي بنقلها إلى قيادة حركة حماس، لحلِّ مشكلة رواتب موظفيها. هذه العملية الأمنية، والتي أخذت فيما بعد بُعدَها العسكري المحدود والمطلوب، دون  تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة على أرض الواقع، توقفت ميدانياً، وتمت السيطرة من الطرفين لمنع التصعيد العسكري.
أمام ما جرى لا بد من قراءة الاستنتاجات، واستخلاص الدروس.
من خلال السرد الأولي لما حصل في خان يونس، والعدوان الاسرائيلي المخطط له، وما آلت إليه الامور نستنتج ما يلي:
1- إنَّ العدو الصهيوني له مخططاتُه، وبرامجه الخاصة والمقررة، وهو معني بتنفيذها، ومهما كانت الظروف الميدانية، لأن القرارات الأمنية والعسكرية التي تضعها القيادة العدوانية، ويتم اقرارها من الكابينت هي للتنفيذ في الوقت المحدد.
2- إنَّ الظروف التي تمت فيها هذه العملية العدوانية والمدروسة بدقة لم يكن أحدٌ يتوقعها، لأن الاهتمام منصبٌّ على تحقيق التهدئة، والانظار تركِّز على الدور المصري ومدى نجاحه في وضع الترتيبات.
3- لقد ثبت أن الطرفين مهتمان بالتوصل إلى تهدئة، وربما هدنة، وقيادة الكيان الصهيوني تعتبر مثل هذه التهدئة إنجازاً سياسياً مهما في الصراع الدائر، لتثبيت قاعدة أمنية سياسية وهي تهدئة مقابل تهدئة. والاحتلال يهمه أن يجد من يحافظ على الامن والتهدئة في المنطقة المحتلة من أجل أن يتفرغ هو لتنفيذ مشروعه لتكريس الاحتلال.
4- إنَّ حرص الجانبين على الالتزام بوقف إطلاق النار، وعدم التصعيد، دليلٌ واضح على الاهتمام الجدي بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، والتعاطي مع القطاع على انه كيان للفلسطينيين يمكن دعمه، ومساندته مالياً، واقتصادياً، واستثمارياً، واستقراراً، بينما الضفة الغربية يلتهمها الاستيطان، والاستعمار، والتهويد، والأسرلة، والتدمير، والاعتقالات، والاعدامات الميدينة.
5- إن القيادة الفلسطينية وخاصة الرئيس أبو مازن فقد سارع لقطع زيارته إلى الكويت، والتفرغ لمتابعة ما يجري في قطاع غزة، وأجرى اتصالات مكثفة دولية واقليمية، ومحلية، وبذل الجهود المطلوبة على صعيد مجلس الامن، والجمعية العمومية، والجامعة العربية، كما أُعطيت تعليمات واضحة لوزارة الصحة لتسيير شاحنات أدوية، ومعدات إلى قطاع غزة، حتى تكون المستشفيات جاهزة للقيام بدورها.
إلى جانب هذه الاستنتاجات التي ذكرناها فإنَّ هناك دروساً مُستفادة، ويجب التوقف عندها نظراً لأهميتها:
أ- على الجميع أن يدرك بأن الضرورة الوطنية، والمصلحة الفلسطينية تفرضان على كافة الاطراف في الساحة الفلسطينية أن يستمعوا لصوت العقل، ونبذ كل أشكال الفرقة والتناحر. ونحن بدورنا ندعو قيادة حركة حماس إلى إعطاء الأهمية الكبرى والأساسية لتوحيد الموقف الفلسطيني الداخلي، قبل البحث عن خيارات فردية تخدم تنظيماً وليس وطناً. فالوحدة الوطنية هي أولاً وفق كل الاعتبارات.
ب- إنَّ الخيارات والقرارات التي تتعلق بالاحتلال الصهيوني لا يقررها تنظيمٌ بعينة، وانما يقررها الكلُّ الفلسطيني. وعبر إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ونرِّكز هنا على مفهوم التهدئة الذي تتبناه قيادة حركة حماس، وتسعى إلى تنفيذه بعيداً عن م.ت.ف. وفي هذه الاطار،فإنه على الجميع أن يدرك بأن الكيان الصهيوني يريد التهدئة ثم الهدنة، كي يستثمرها في تعزيز مشروعه الصهيوني، واستبعاد قيادة م.ت.ف، وفصل القطاع عن الضفة، واعتبار قطاع غزة هو المكان الذي يستطيع فيه اللاجئون الفلسطينييون تقرير مصيرهم، ومستقبلهم، وليس الدولة الفلسطينية المستقلة على الاراضي المحتلة في العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وبالتالي تحقيق الرغبة الاميركية باستبدال قيادة م.ف.ت بقيادة جديدة توقِّع على الاتفاقات التي تُنقذ صفقة القرن من الأزمة الحالية.
ج- إنَّ الموقف الصهيوني الموحَّد الملتزم بقرار موحَّد، يفرض علينا كفلسطينيين أن نضع حداً للانقسام، وأن نعود إلى شعبنا الذي قدَّم التضحيات، وأن ننفِّذ مضمون الوثائق التي وقعنا عليها لانجاز المصالحة منذ 4/5/2011، وأن نجري الانتخابات الديمقراطية، وأن ننضبط للنتائج التي تحدد من هو صاحب القرار في قيادة الشعب الفلسطيني. وندعو كافة الفصائل إلى ممارسة الدور الوطني المسؤول. إنَّ حركة فتح ومنذ أن حدث الانقلاب في غزة، وهي تتصرف بمصداقية مع كافة الاطراف للخروج من المأزق الوطني، وهي تدعو أيضاً  إلى الالتزام بالخطاب الوطني المسؤول الذي ينجز الوحدة الوطنية. وبالتالي فإن حركة فتح ليست طرفاً في الانقسام كما يحلو للبعض أن يردد، وانما فتح كانت ضحية الانقلاب الذي اسهمت فيه أطرافٌ إقليمية ودولية لتغييب دور قيادة فتح التي أثبتت أنها صاحبة القرار الفلسطيني المستقل، وانها الأحرص على الوحدة الوطنية.
على الجميع أن يدرك بأن الصراع الجذري هو ضد الاحتلال بكل أشكاله, وأدواته, وركائزه, ولا يجوز تحت أي ظرفٍ من الظروف ضرب المعادلات الثورية, والوطنية, والسياسية, وتحويل الصراع الى صراعٍ فلسطيني داخلي تحت الاحتلال, وهذا ما ترفضه كل النظريات الثورية والمنطقية, لأن الهدف الأساسي لنا هو استئصال الاحتلال, وبناء الاستقلال .
إنَّ وفاءنا لشعبنا, ولأرضنا, ولمقدساتنا يفرض علينا أن نكون موضوعيين وعقلانيين وجريئين في القول والممارسة، أمام الهجمة الصهيونية المتواصلة, وهذا يتطلب من الأخوة في المعارضة الفلسطينية، خاصة قيادة حركة حماس, أن تتذكر مجموعة حقائق دامغة أولها : أن حركة فتح هي التي أسست المشروع الوطني الفلسطيني في العام 1959 , وهي التي أطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة في
 1-1-1965 . وهي التي بنت منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديده عندما ضمَّت المنظمة مختلف الفصائل الفلسطينية, وكافة الاتحادات النقابية, وممثلي اللجان الشعبية, وهذا المشروع الوطني هو جوهر منظمة التحرير, وعلى أساسه عقدت جلسات المجلس الوطني, والمجلس المركزي منذ العام 1969, عندما تسلَّم قيادة المنظمة الزعيم الوطني الفلسطيني أبو عمار ياسر عرفات .
ثانياً : إنَّ م.ت.ف, هي الابنة الشرعية للمشروع الوطني الفلسطيني، وهي التي قادت الكفاح الوطني في مراحله كافة, وبالتالي هي التي أعادت رسم الخارطة الفلسطينية سياسياً على خارطة العالم, وهي التي استعادت الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني بعد النكبة والتشرد, وهذا كله بدأ مع انطلاقة حركة فتح, وانطلاقة الثورة الفلسطينية في العام 1965. وهذا ما يجب أن تأخذه حركة حماس بعين الاعتبار, وأن تتوقف عنده ملياً, وأن لا تنسى أنها وُلدت العام 1988 أي بعد انطلاقة حركة فتح, وبعد انطلاقة المسيرة الوطنية بثمانيةٍ وعشرين عاماً، وهي الآن تعطي الاولوية لمشروع الإخوان المسلمين, وهو حزب عالمي له علاقاته واهتماماته الدينية, وحساباته السياسية الخاصة مع بعض الدول والاطراف.  واذا أرادت حركة حماس أن تفرض برنامجها السياسي الخاص بها على الكل الفلسطيني وإلاَّ.....فهذا أمرٌ مرفوض وطنياً.
فمن حق حركة حماس أن تمارس قناعاتها الفردية, وهذا شأنها .
ولكن ليس من حقها أن تفرض مشروع الاخوان على الساحة الفلسطينية, وافتعال الأزمات والتوترات, وانشاء تحالفات للاستقواء على م.ت.ف. وقيادتها, وايجاد الشرخ داخل الساحة الفلسطينية .
ثالثاً : والذي يجب أن يفهمه الجميع بأن المشروع الوطني الفلسطيني هو الإطار الجامع والشامل لكل الطيف الفلسطيني السياسي, والحزبي، ولكل الطوائف والمذاهب . وهذا المشروع هو القاعدة الصلبة التي إرتكز عليها النضال الفلسطيني منذ بداية الستينيات .
أنَّ  المشروع الاميركي الاسرائيلي الصهيوني إستهدف، ومازال يستهدفُ القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها ،وأول ما يستهدف منظمة التحرير الفلسطينية، وقيادتها الشرعية،ومؤسساتها الوطنية، ويسعى تحالف الشر الاميركي الصهيوني إلى تمزيق الصف الوطني، واشعال نار الخلافات داخل الساحة الفلسطينية، حتى يكون بالامكان تمرير صفقة ترامب – نتنياهو.
وبالتالي ليس أمامنا إلاَّ الخيار الوطني الفلسطيني، وعماده الوحدة الوطنية.

مشاركة التدوينة :

مقالات

التعليقات الخاصة بالموضوع :

0 التعليقات :