<عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوءاً يا وطني.

بسم الله

بسم الله الرحمن الرحيم

مستقبل قضية فلسطين ومصيرها

مشاركة التدوينة :

بقلم / عباس الجمعة

إن إعادة الاعتبار للعمل القومي العربي باتت ضرورة موضوعية للدفاع عن الذات وحمايتها ودون ذلك ستواجه أخطار التبديد والتمزق والضياع وزيادة بؤس الأغلبية في الأمة العربية.
ولكن إعادة الاعتبار للعمل القومي تتطلب نظرة جديدة تستخلص دروس المرحلة الماضية بكل سلبياتها وإيجابياتها، نظرة قومية متجددة وعقلانية، واقعية وملموسة، بعيداً عن زمن البديهيات الذي كان يعتبر الوحدة العربية في متناول اليد وتحرير فلسطين شأن قادم وقريب.
لا شك أن المشروع الوحدوي العربي الذي تعرض للمراقبة الشديدة والتآمر الخارجي ، هذا المشروع جوبه من القوى الاستعمارية ، وبعد ذلك حاول عبد الناصر والقوى القومية العربية إحياء المشروع من جديد لكن المحاولة تم ضربها عام 1961 وتكريسها عام 1967.
استطاع المشروع القومي العربي الذي رفع شعارات الوحدة والتحرر والاشتراكية ومكافحة الصهيونية والاستعمار أن يحقق رصيداً كبيراً والتفافاً واسعاً حول شعاراته وأهدافه في الخمسينات والستينات، لكن معضلته الأساسية تجسدت برؤيته العاطفية التي لم تر الواقع العربي المعقد كما هو لتنطلق من رؤية واقعية تراكم الإنجازات خطوة خطوة باتجاه عملية معقدة تواجه عقبات كبيرة في ضوء تبلور وتجذر مفهوم الدولة الوطنية، كما افتقر المشروع للبعد الديمقراطي بمفهومه الشامل، هذا البعد الذي يشكل الضمانة الأساسية لحمايته.
لم ينجح العرب سواء على المستوى الرسمي أو حتى على مستوى الحركات والأحزاب السياسية في إقامة علاقة جدلية صحيحة بين الوطني والقومي، فالبعض ركز كل إنشداده للقومي متجاهلاً الخصوصيات القطرية، والبعض ركز بصورة معاكسة على انشداده للقطري متجاهلاً أهمية القومي وضروراته.
من هنا فإن علاقة وثيقة متكاملة بين البعدين هي الحل السليم لمواجهة معضلات الواقع بصورة سليمة.
لقد شكلت هزيمة حزيران 1967 نكسة فكرية وتراجعاً للمشروع القومي العربي فقد كانت مسألة الوحدة العربية وتحرير فلسطين تمثل الشعارات المركزية لكثير من العرب، فجاءت هزيمة حزيران زلزالاً مدوياً بات معه شعار الوحدة والتحرير أكثر صعوبة وتعقيداً مما كان متصوراً، ودخلت الساحة العربية بمخاضات وشعارات جديدة، وامتلأت قواميس السياسة والفكر بشعارات إزالة آثار العدوان وقرار 242 والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. ولكن رغم ذلك عبر الشارع العربي عن رفضه للهزيمة ونتائج العدوان، وكان من أبرز تعبيرات هذا الرفض نهوض الثورة الفلسطينية وتصاعد فعلها العسكري والجماهيري. كذلك سارعت مصر وسورية وبشكل جاد لإعادة بناء قواتهما المسلحة وحققتا بدعم عربي نتائج ملموسة أتت ثمارها في حرب أكتوبر 1973، وكل هذا كان إيجابياً وملموساً لكنه لم يكن كل شيء لأن قراءة شاملة عميقة لما حدث كانت تشير إلى أن شيئاً نوعياً آخر كان يحصل في العمق كنتيجة لما انتهت إليه حرب حزيران واحتلال إسرائيل لأراض عربية، لأن هذا كان يعني أننا أصبحنا أمام قضايا وطنية للبلدان العربية التي احتل جزء من أرضها وتسعى لتحريره، وبالتالي طغى شعار تحرير الأراضي المحتلة على شعار تحرير فلسطين.
شكلت هزيمة حزيران منعطفاً عميقاً في مسار الصراع العربي - الإسرائيلي وعززت مكانة الاتجاه القطري في الساحة الفلسطينية، خاصة بعد حالة النهوض التي مثلتها الثورة الفلسطينية والعمليات العسكرية التي مارستها ضد العدو وما ولده ذلك من آثار إيجابية خاصة في صفوف الفلسطينيين، ولكن الخلل في الرؤية والممارسة لجدل العلاقة بين البعدين الوطني والقومي ، نتيجة الابتعاد عن الجماهير العربية وعن القوى التقدمية والقومية والحركة الشعبية العربية، حيث ركز البعض على علاقاته مع الأنظمة.
إن إبراز العامل الوطني الفلسطيني والتأكيد على الشخصية الفلسطينية أمر هام خاصة في مواجهة أطروحات الصهيونية التي استهدفت تبديد الشخصية الفلسطينية ونفي مقوماتها لا بد من التأكيد على البعد الوطني الفلسطيني، لكن إبراز هذا البعد لمواجهة مخططات التذويب والتبديد شيء، رغم التأكيد على الهوية الوطنية الفلسطينية كسلاح في مواجهة التهويد والإلحاق وليس نقيضاً للبعد القومي لقضية فلسطين.
إن تجربة النضال الفلسطيني منذ وعد بلفور أفرزت بالملموس أن إضعاف البعد الوطني الفلسطيني في الصراع مع كيان الاحتلال لا يخدم كفاح الشعب الفلسطيني، لكنها برهنت كذلك أن إضعاف البعد القومي العربي لهذا الصراع خطأ استراتيجي تدفعه ثمنه الحركة الوطنية الفلسطينية ثمناً باهظاً كانت محصلته اتفاقات أوسلو .
إن تجربة عشرات السنوات من النضال كانت بحاجة الى التقيم  رغم ان اغلبية الفصائل والقوى الفلسطينية امنت بالحلول المرحلية استناداً لقرارات الشرعية الدولية المؤيدة للحقوق الفلسطينية والعربية والتي تشكل سلاحاً هاماً بأيدي العرب ، وخاصة ان التجربة أكدت بجلاء أن كيان الاحتلال ظاهرة معادية للسلام ولو بالحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، بل هو حالة استعمارية استيطانية إجلائية يعمل على فرض مفهومه لحل يفرض إرادة طرف على طرف آخر وهو في مفهومه لهذا الحل يتلقى كامل الدعم والتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية لأن السياسة الأمريكية ليست منحازة فقط بل تتبنى السياسة والاستراتيجية لحكومات الاحتلال بشكل شبه كامل انطلاقاً من رؤيتها لمصالحها الأمنية والاستراتيجية في المنطقة.
لقد انطلقت في الساحة العربية مقولات ومفاهيم تستند إلى منطق يقول لماذا لا نشن هجوماً سلمياً ونتخلى عن الأفكار التقليدية والشعاراتية والحماسية السابقة التي لم تؤدِ إلى نتيجة ولم تحرر شبراً من الأرض بينما طرق السلام والمفاوضات والتطبيع يمكن أن يحقق نتائج أفضل ، ولكن ردنا على ذلك بعد اربعة وعشرون عاما من مفاوضات ماذا حقق هذا الطريق وهذا المنطق وبالصورة التي مورست بها حلول منفردة تنازلات كبرى وجوهرية دون تحقيق الأدنى من الحقوق.
إن على أصحاب هذا المنطق أن يستخلصوا الدرس الأساسي الذي أقرته التجربة الماضية، وخاصة اننا اليوم نواجه  مشروعاً يريد فرض الاستسلام الكامل على العرب والسيطرة على المنطقة وإلا ما معنى رفض كيان الاحتلال للإقرار بالحقوق الوطنية الفلسطينية حتى بحدها الأدنى رغم كل التنازلات العربية والفلسطينية .
لا شك أن هدف السلام المزعوم من خلال صفقة القرن هو إضعاف العرب وتجريدهم من كامل أسلحتهم ليس بالمعنى العسكري فقط وهذا ما يفسر بعد احتلال العراق ونشوب حروب في المنطقة من قبل القوى الارهابية التي جلبتها القوى الاستعمارية وتشديد الضغوط على سورية والعراق ودول المنطقة، وهذا ما يفسر كذلك محاولات إضعاف دور مصر عربياً وإقليمياً، حيث برزت مؤشرات عديدة على ذلك.
إن كافة الوقائع والمعطيات السياسية تشير إلى أن كيان الاحتلال يريد استسلاماً شاملاً كاملاً من الفلسطينيين والعرب ويعمل على خلق حقائق جغرافية - سياسية على الأرض من خلال توسيع الاستيطان واستمرار السيطرة على الأرض وبالتالي فإن السؤال المطروح بقوة هو: إذا كانت العملية السياسية قد وصلت عملياً وواقعياً إلى الطريق المسدود فما هو البديل، هل يبقى العرب المراهنون على الحل السياسي في دائرة رد الفعل ينتظرون ما يقدمه الآخرون، أم يستمرون في أوهامهم ومراهناتهم ، لذلك فهناك خيارات وبدائل واقعية لكن شرطها الصمود والكرامة ووضوح الرؤيا والاتفاق على ناظم عام ينطلق من المصالح العليا للأمة العربية فالخيارات عندما تتعلق بمصير الشعوب ومستقبلها تصبح مشروطة بالحفاظ على حقوقها ومصالحها وإلا يفقد أي خيار سياسي مقوماته الوطنية.
لا شك أن ترابط الاستراتيجية والتكتيك وتحليل الواقع الملموس ورؤيته بحركته وطاقاته الكامنة وترابط كافة أشكال الكفاح السياسي والعسكري والاقتصادي والدبلوماسي والثقافي تشكل عنصراً أساسياً من عناصر مواجهة جادة وناجحة مع المشروع الصهيوني.
إن خيار المقاومة الذي بات يوصم بأنه شكل من أشكال الإرهاب هو خيار دفاعي مفروض على الذين يخضعون للاحتلال والعدوان وهو انعكاس موضوعي لطبيعة الصراع الذي يتحدد بطبيعة الأيديولوجيا الصهيونية وممارساتها وبرامجها العدوانية التوسعية.
إن موضوع اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة يمثل حق العودة يمثل جوهر ولب القضية الفلسطينية ، وان أي حل سياسي لقضية فلسطين سيقوم على قاعدة إنهاء حق العودة للاجئين سيكتب له الفشل .
ختاما : إن مستقبل قضية فلسطين ومصيرها ومستقبل الأمة العربية بأسرها يتوقف على معالجة أسباب الفشل والتراجع وحتى يتمكن من تحويل عوامل الإخفاق والهزيمة إلى قوة وصمود وتقدم نكون قد سلكنا بداية الدرب السليم نحو تأسيس وبناء المشروع النهضوي القومي العربي الديمقراطي الشامل الذي يضع حداً للغزوة الصهيونية الاستعمارية والذي يضع الأمة العربية في مكانها اللائق في عالم لا مكان فيه إلا للأقوياء الذين يملكون زمام أمورهم ومستقبلهم.
رئيس تحرير صحيفة الوفاء الفلسطينية

مشاركة التدوينة :

مقالات

التعليقات الخاصة بالموضوع :

0 التعليقات :

تدوينه عشوائية

رئيس الوزراء الماليزي يهاجم دولة الاحتلال ويصفها بـ"دولة اللصوص"

وصف رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، دولة الاحتلال بأنها "دولة لصوص"، قائلا: "لا يمكنك الاستيلاء على أراضي الآخري

sourcamps