سعدات بهجت عمر
"عزيزي اللورد روتشيلد يسعدني كثيرا ان انهي نيابة عن حكومة جﻻلة الملك التصريح التالي تعاطفا مع اماني الصهيونيين التي قدموها ووافق عليها مجلس الوزراء ان حكومة جﻻلة الملك تنظر بعين العطف الى انشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وسوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف وليكن مفهوما بجﻻء انه لم يتم شيء من شأنه اﻹخﻻل بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين او بالحقوق واﻻوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أية دولة اخرى. إني اكون مدينا لكم بالعرفان لو قمتم بإبﻻغ هذا التصريح الى اﻻتحاد الصهيوني. المخلص آرثر بلفور.
في السنوات التي سبقت تحويل المشروع الصهيوني الى دولة مورس ضغط شديد على العقل العربي لمنعه من فهم الشروط الضرورية لتحقيق "وطن قومي لليهود في فلسطين" وعندما آن اوان تحويل المشروع الى دولة تبين ان طرد شعبنا الفلسطيني شرط ﻻزم ﻹقامة هذه الدولة ولبقائها. وتبين أن العبارة الواردة في هذا الوعد المشؤوم والقائلة بأنه لن يلحق أذى بالحقوق الدينية والمدنية للطوائف غير اليهودية في فلسطين لم تكن تعني سوى التعهد بعدم اجبار سكان فلسطين على اعتناق اليهودية. اما في الفترة التي اعقبت تحويل المشروع الصهيوني الى دولة فقد مورس الضغط على العقل العربي بلعبة الخرافة الصهيونية وقلب الحقائق لتلعب دورا اساسيا في الكتابات المتعلقة بقضية فلسطين بصورة خاصة بدراسة علمية واحدة تسعى وراء كشف القوانين الموضوعية التي تحكم عﻻقة الصهيونية بالمنطقة العربية واصبح الحوار يبدأ مع العقل العربي على الصورة التالية ان "اسرائيل" حقيقة قائمة. فارتسمت في ذهن كل من هو معني بالقضية الفلسطينية صورة العربي المتشرد الﻻعقﻻني او التطرف الرافض لكل حل والساعي لﻹنتقام. وبالمقابل ارتسمت صورة اﻻسرائيلي العاقل المرن الساعي للسﻻم أي ارتسمت صورة الحضارة بأسمى صورها تدافع عن نفسها ضد البربرية بأقبح صورها.
هذه الصورة المؤامرة لم يكن ولن يكون بإمكاننا ان ننفيها بصورة فعالة من ذهن اﻻمة العربية ومن ذهن القوى الدولية التي تتعاطف معنا لهذا السبب او ذاك والى هذا الحد او ذاك. فقبل سنة 1948 كان مشروعا ومقبوﻻ ان يطالب شعبنا الفلسطيني بحق البقاء في ارضه وكان يجب أن يجري تطمينه. وبعد عام 1948 اصبحت المطالبة بالعودة تطرفا ﻻ يحتمله العقل. وبعد عام 1949 اصبحت المطالبة بالعودة علما ان قرار 194 ينص على العودة الى حدود التقسم حسب نصوص القرار رقم 181 الذي رفضه الزعماء العرب آنذاك بمؤامرة امبريالية. يعادل السعي لرمي اليهود في البحر. وبعد عام 1967 اصبحت المطالبة بالعودة إلى حدود الهدنة لعام 1949. إذن كيف يمكن ان نفسر نجاح الصهيونية وحلفائها في تصوير نفسها كضحية دائمة وتصوير شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية على انهما المعتديان؟ وما السر في أن "اسرائيل" هي التي تبدو وكأنها دائما تسعى إلى السﻻم وهي دولة الجريمة المنظمة في العالم وأننا نبدو وكأننا نسعى نحو الحرب. فأرضنا مغتصبة ومحتلة بغض النظر عن الوقائع.
ومما يذكر ان المسودة الصهيونية في تموز 1917 كانت تنص على اعادة تكوين فلسطين لتصبح الوطن القومي للشعب اليهودي وعلى ان تبحث الحكومة البريطانية مع المنظمة الصهيونية سبل تحقيق ذلك ولكن لﻻمبريالية في بعض اﻻحيان مضمونا عقائديا إﻻ انها في اﻻساس ترتكز على قاعدة اقتصادية بحتة وبريطانيا القوة اﻻمبريالية بﻻ منازع في بداية القرن العشرين هي بيت القصيد في محاولة لفهم الجذور التاريخية لوعد بلفور وﻻ نحتاج الى تعريفات اضافية لﻹمبيالية اذا سلمنا جدﻻ بأن اﻻمبريالية هي مرحلة الرأسمالية نفسها حين تصل اﻻخيرة مستوى تسيطر فيه اﻻحتكارات والرأسمال المالي وحيث يكون قد …
[٠٨:١١، ٢٠١٧/١١/٣] سعدات: ما المعنى من اﻻحتفال المئوي؟؟؟
سعدات بهجت عمر
المﻻمح البارزة ﻹصرار حكومة بريطانيا لﻹحتفال بالذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم محصورة في إعﻻن النفوذ الصهيوني نفوذا مطلقا في منطقتنا العربية بشكل أقوى مما كان عليه قبل مائة عام بشكل لم يسبق له مثيل، والواضح أن اﻹصرار على اﻹحتفال يلقي مسؤوليات خاصة على عاتق شعبنا الفلسطيني إذ أن رأس الحربة في تلك اﻹحتفاﻻت والتحركات موجه ضدهم. كيف ذلك؟. لتثبيت أميركا كمستودع مفاوضات وحيد وإﻻ فالسﻻم مستحيل، وهذا يعني من وجهة النظر اﻷميركية التأكيد على أن حل الخﻻفات العربية-اﻹسرائيلية مقرون بالتخلي عن الحقوق العربية في فلسطين، واﻹعتراف السياسي ب "إسرائيل" رائدة سياسية واقتصادية وأمنية ﻻ يجب التخلي عنها وﻻ يجب حتى التفكير باﻹعتداء عليها حتى ولو راوح لسنوات عديدة فوق اﻷرض العربية التمزق من تمزق الى تمزق، وهذا يعني إعطاء الشرعية "ﻹسرائيل" ﻻغتصاب أي أرض عربية بمسمياتها. إحتﻻل أراضي، وتشريد شعوب، واعتداءات مستمرة للقفز فوق الحقائق التاريخية والمادية لتطرحها كأمور أقل من العادية يمكن حلها وحسمها بأية صيغة مفاوضات، وهذا يذكرنا بمعاهدة باريس 1856 حين دخلت الدولة العثمانية ضمن التعاضد اﻻوروبي التي شعرت حينها بريطانيا بأنه يجب حرمان الدولة العثمانية مهما كلف اﻻمر من ثمار التقسيمات او اﻻنتصارات المتتالية حتى ولو بعد عشرات السنين، والسبب؟ ﻷن الدولة العثمانية لم توفر سوى ممر ضيق لبريطانيا تنفذ منه الى مصالحها التجارية في الشرق للحد من التوسع الروسي 'التاريخ يعيد نفسه' وكانت بريطانيا تهدف من ذلك الى إنجاز ما يسمى بميزان القوى.
عبر هذه الخلفية التاريخية يمكن فهم نشوء الحركة الصهيونية كرديف أساسي لﻹمبريالية.فالبرغم من أن الصهيونية منذ وﻻدتها كانت طفيلية انشقت من القومية اليهودية ثم أصبحت بعثة إرسالية تعمل على تحقيق أهدافها بتغطية من اﻻمبريالية ثم أصبحت ستارا لﻹمبريالية اﻷميركية في الشرق الأوسط، ومع الذكريات تزيد اﻹنهيارات، والكل يصفق، وﻻ أحد يصفق بانتظار وعد آخر ﻷوطان عربية أصبحت ذات قابلية ﻹعادة النظر في ميدان المعركة حيث التفكك والتمزق والطائفية واﻹقليمية والفساد والردة واﻷمل المحاصر من الوريد الى الوريد، والنص الدموي للتعذيب مجاز على جميع اﻹصعدة كسياسة متعمدة.
التعليقات الخاصة بالموضوع :
0 التعليقات :