<عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوءاً يا وطني.

بسم الله

بسم الله الرحمن الرحيم

25 عاما بعد أوسلو: الواقع، والتحديات، واحتمالات المستقبل

مشاركة التدوينة :


·        

زياد أبو زياد

الأحد...وكل يوم أحد
المحامي: زياد أبو زياد
خرج علينا الكثير من السياسيين والمحللين والمراقبين بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين للتوقيع على اتفاق اوسلو ليشرحوا أو يحللوا لماذا فشل هذا الإتفاق في تحقيق الهدف الذي تم التوقيع عليه من أجله وهو إنهاء الاحتلال وإنهاء الصراع وإقامة الدولة الفلسطينية الى جانب دولة إسرائيل.
وفي الحقيقة فإن جميع التحليلات التي قرأتها أو سمعتها لم تتطرق للسبب الرئيسي وربما الوحيد لفشل هذا الإتفاق. فجميع ما سمعته أو قرأته يحصر أسباب فشل الإتفاق في الأمور التالية:
- إعلان المبادىء لم يكن اتفاق سلام وإنما خريطة طريق لم تتم ترجمتها الى اتفاق يضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة.
- إعلان المبادىء لم يحدد الهدف النهائي لعملية أوسلو بل تركه مبهما ً الأمر الذي جعل كل طرف يفسره على هواه.
- تأجيل الإستيطان والقدس الى مفاوضات الوضع النهائي دون اشتراط تجميد الوضع على الأرض أعطى اسرائيل الفرصة لتستغل السنوات الثلاث التي أعقبت الاتفاق وما تلاها لتكثيف الاستيطان في الضفة والقدس وخلق وقائع على الأرض أفشلت تنفيذ الاتفاق.
- الاعتراف المتبادل الذي تم ، كان بين إسرائيل والمنظمة وليس بين إسرائيل والدولة الفلسطينية مما أعطى إسرائيل الفرصة للتهرب من استحقاق الدولة الفلسطينية واجهاضه.
- جعل تنفيذ الاتفاق يمتد على فترة خمس سنوات مما أعطى الفرصة لأعداء الاتفاق على الجانبين للعمل على إفشاله.
- وأخيرا العمليات الاستشهادية واغتيال اسحق رابين .
وفي رأيي فإن أيا ً من هذه الأسباب لم يكن هو السبب الحقيقي لفشل اتفاق أوسلو وأنها ربما كانت سببا في إعاقة أو تباطؤ تنفيذ الاتفاق ولكنها ليست السبب في فشله. فالسبب الحقيقي لفشل اتفاق أوسلو هو أنه لم يكن لدى جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ توقيع إعلان المبادىء حتى اليوم استعداد أو قبول بالسماح بإقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل ، وإنما كانت جميعها دون استثناء تتبنى موقفا ً استراتيجيا ً يقضي بعدم السماح بقيام دولة فلسطينية وأن أقصى ما يمكن أن تقبل به هو جسم إداري لا يتصف بأي شكل من أشكال السيادة السياسية.
فالموقف الجوهري الذي يحكم السياسة الاسرائيلية منذ احتلال عام 1967 حتى اليوم هو رفض الاعتراف بأن هناك شريكا لليهود في هذه الأرض وأنه لا يمكن السماح بقبول وجود مثل ذلك الشريك.
وهذا الموقف الجوهري كان يشكل القاسم المشترك بين السياسيين الاسرائيليين سواء ممن تظاهروا بالرغبة بالحل والسلام او من كانوا صراحة وعلنا ً ضد الحل والتنازل عن الأراضي المحتلة. وأذكر بهذا الصدد وعلى سبيل المثال لا الحصر أن كتابا صدر في اسرائيل مؤخرا كتبه آفي جيل أقرب الناس الى شمعون بيرس والذي كان مديرا لمكتبه عندما كان وزيرا للخارجية ورئيسا للوزراء بعد اغتيال رابين وظل معه يرافقه في شتى مراحل حياته ، يقول آفي جيل بأن شمعون بيرس عراب أوسلو لم يوافق في أي يوم من الأيام على فكرة إقامة دولة فلسطينية وكان يعارض ذلك وأكثر ميلا ً لحل يكون الأردن فيه هو العنوان.
ففشل اتفاق أوسلو كان متجذرا ً في جوهر ولب التفكير الاستراتيجي الاسرائيلي الذي كان ضد إقامة دولة فلسطينية وكان يسعى بكل الوسائل الممكنة لمنع إقامة تلك الدولة ، ووجد في استمرار الاستيطان وتغيير الواقع على الأرض الوسيلة الوحيدة لمنع إقامة دولة فلسطينية ، ولذا فإن الاستيطان لم يتوقف أيام اسحق رابين وتضاعف مرتين عندما كانت المفاوضات على أوجها أيام إيهود براك ، وكلاهما من حزب العمل الذي وقع أوسلو فما بالكم في حكومات الليكود.
إن المتعمق في دراسة الموقف السياسي الأسرائيلي إزاء الأراضي المحتلة عام 1967 ، وخاصة الضفة الغربية يجد بأن الموقف الإسرائيلي قد تبلور وتم حسمه مبكرا ًجدا ً في نهاية الستينيات وتجسد فيما عرف بخطة ألون والتي ما زالت حتى اليوم تشكل الأساس للسياسة الاسرائيلية من اليسار واليمين على حد سواء.
وهذه الخطة تقوم على أساس احتفاظ اسرائيل بغور الأردن وسلسلة الجبال المطلة على غور الأردن والقدس الكبرى التي تصل حدودها الى عتسيون جنوبا ومشارف رام الله شمالا ً ومشارف أريحا شرقاً. وحصر الوجود العربي في المدن العربية الكبيرة داخل الضفة الغربية وقطع التواصل الجغرافي بينها وإعطائها ممرا لنهر الأردن للعبور الى الأردن وإعطاء الأردن دورا ً إداريا لسكان هذه المدن في إطار شكل من الحكم الذاتي للناس وليس للأرض.
هذه هي الرؤية التي ما زالت إسرائيل تتبناها بشأن مستقبل الأراضي المحتلة وهذه الرؤية هي السبب الحقيقي وراء فشل اتفاق أوسلو وليس أي أمر آخر.
"صفقة القرن" تجسيد لمشروع ألون
وما دمت أتحدث عن خطة ألون فلا بد من الإشارة بأن كل الخطوات الأمريكية الأخيرة مستوحاة من خطة ألون وتندرج في إطار تحقيق ومأسسة تنفيذها.
فالقيادة الفلسطينية لم تتردد في إبداء الاستعداد للعمل مع الرئيس ترمب سواء في اللقاء معه بالبيت الأبيض أو لدى زيارته للأراضي الفلسطينية أو خلال اللقاءات مع مبعوثيه أو التواصل عبر قنوات أخرى مع إدارته ، ولكن الرئيس ترمب فاجأ الجميع بالإعلان عن نيته الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، ولكنه عندما أعلن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل تحفظ بالقول بأن الإعتراف لا يقرر حدود المنطقة التي تخضع للسيادة الإسرائيلية وأن هذا الإعتراف لا يمس بنتائج مفاوضات الوضع النهائي . ولكن من الواضح أن هذه التلفظات لم ترق لنتنياهو ومن وراء نتنياهو من يهود أمريكا لحمل ترمب على التراجع عنها وعدم الإلتزام بهذه الضوابط التي وضعها لنفسه فعاد وأعلن بأن القدس ليست على مائدة المفاوضات ، ثم أعلن خفض مساهمة بلاده في ميزانية وكالة الأونروا ، ثم أعلن وقف مساهمتها نهائيا ً في ميزانية هذه الوكالة كخطوة نحو تصفية قضية اللاجئين وحق العودة ، ثم أعلن وقف المساعدة عن مستشفيات القدس ، ثم أعلن إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن!
جميع هذه الخطوات الأمريكية المتلاحقة إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الموقف الأمريكي إزاء الشعب الفلسطيني هو في تطرف متصاعد وأن هذا التطرف مستوحى من قوة وراء ترمب تدفع باتجاه بلورة مقترح أمريكي تحت مسمى " صفقة القرن " ، وأن هذا المقترح ليس سوى تبن أمريكي لمشروع ألون ، وهذا التبني الأمريكي يتم من خلال ضغط مستمر على الرئيس ترمب من قبل الملياردير اليهودي المتطرف شيلدون أديلسون الذي يكرس أمواله ووقته لتكريس الاستيطان والتهويد وتحقيق إقامة اسرائيل الكبرى ونتنياهو.
هذه السياسة الأمريكية التي تحولت الى أداة لتنفيذ المخطط التوسعي الاستيطاني لن تنجح في تركيع القيادة الفلسطينية أو الشعب الفلسطيني بل على العكس ستزيدنا تطرفا ً وتمسكا ً بحقوقنا المشروعة : وهذه السياسة الأمريكة التي تحولت الى أداة في يد نتنياهو وزمرته ، ستكون هي نفسها التي ستضع نهاية الحلم الصهيوني ونهاية الدولة اليهودية لأننا هنا ، باقون هنا ، وسنقاوم هذه السياسة المتطرفة وسنجد يهودا ً يناضلون الى جانبنا ضد العنصرية والأبرتهايد والتطرف الى أن نصل للدولة الديمقراطية الواحدة ، دولة كل مواطنيها ، وهو الشعار والبرنامج الذي تبنته حركة فتح منذ بداية مسيرتها والذي يبدو اليوم أقرب منالا ً من أي وقت مضى.

مشاركة التدوينة :

مقالات

التعليقات الخاصة بالموضوع :

0 التعليقات :