<عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوءاً يا وطني.

بسم الله

بسم الله الرحمن الرحيم

المصالحة مستمرة لأنهـا قـرار وطني

مشاركة التدوينة :

بقلم: رفعت شناعة
جاءت المصالحة الفلسطينية بعد ما يزيد على عشر سنوات عجاف، وأصبح مطلوباً من قيادتي حركتي فتح وحماس التعاطي مع هذا التطور النوعي والمفاجئ. بدأت الجماهير تحتفل، وتستعجلُ الفصائلَ لإعلان مواقفها وبرامجها العملية لتجسيد هذا الحلم الذي كان غائبا، وعاد الآن ليدقَّ كل الابواب. وقد زادَ الأملَ وضوحاً أن الجانب المصري بثقله الاقليمي، والعربي، والدولي، ورغم جراحه فإنه هو الذي يقف اليوم وسط الساحة ليبلسمَ الجراح الفلسطينية، وليكونَ الأخَ الرؤوفَ، والمحاورَ الناجح، والمؤتمنَ على إتمام المصالحة الوطنية، ووضْعِ الضوابط الضامنة، وتقديم الاقتراحات النزيهة لتفكيك التعقيدات، وإزالة التوترات. أيضاً حركة حماس بقيادتها الجديدة المنتخبة، وانطلاقاً من وثيقتها الحديثة التي أعطت لفلسطين مكانتها الوطنية في رسم استراتيجية الصراع ضد الاحتلال الاسرائيلي، وهذا ما قرَّب المسافات مع م.ت.ف، وذلَّل الكثير من العقبات من أجل التوافق على أهم مكوّنات الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية.
هذه القفزة النوعية من مستنقع الانقسام إلى حديقة الوفاق، والتفاهم حول متطلبات المرحلة الراهنة والمستقبلية، يجب أن لا تكون القفزة في الهواء، وانما على طريق بناء الوحدة الوطنية، وصياغة البرامج السياسية، وبرامج النهوض الوطني والاجتماعي، وتصليب أذرع، ووسائل، وأساليب، مقاومة ومواجهة الاحتلال الصهيوني، وذلك في إطار البرامج المعتمدة مركزياً في التعاطي مع واقع الاحتلال التدميري.
منذ الاعلان عن الاتفاق بين الطرفين؛ حركتي فتح وحماس، ظلت القيادات في حالة إستنفار قصوى من أجل إحتضان وتحصين هذا الانجاز، والجماهير نزلت إلى الشوارع، ورحَّبت بالحكومة ورجالاتها، وبفتح وقياداتها، وكانت قيادة حركة حماس على رأس المستقبلين للوفد الرسمي الآتي من الضفة إلى غزة في رسالة واضحة عن حسن النية، والتفاعل بمصداقية، لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه برعاية الشقيقة مصر، التي واكبت الحدث خطوة خطوة.
إذاً ما تمَّ حتى الآن من لقاءات، وحوارات، واجتماعات جامعة وشاملة وطنياً ليسَ عملاً شكلياً، وانما هي إنجازات وطنية جوهرية، سيُبنى عليها مداميك قلعة الوحدة الوطنية، المحصَّنة بالثوابت الفلسطينية، والمحروسة بدماء الشهداء.
من هذا المنطلق فإنَّه على رجالات الثورة، وقادة المقاومة، وأصحاب الخطابات السياسية، والتصريحات الإعلامية أن لا يتعاطوا بردود فعل سلبية حادة، تؤدي إلى حالة من الإحباط والتشاؤم، وانما علينا أن نقيِّم الأمور بشكل موضوعي، وان نضع النقاط على الحروف، وأن تبقى نافذةُ بل بوابةُ الأمل مفتوحة على مصراعيها إنطلاقاً من العوامل الاساسية التالية:
أولاً: إنَّ عودة الجميع إلى الساحة الوطنية الفلسطينية يُعتبر عرساً وطنياً تاريخياً، ويجب أن يكون يوماً وطنياً مشهوداً، نظراً لأهميته الراهنة والمستقبلية. وما يعزز هذا الامر هو الاستجابة السريعة والصادقة من كافة الفصائل الفلسطينية دون استثناء، وهم الذين لبوا دعوة القيادة المصرية، لتوفير الإجماع الفلسطيني بكل أطيافه، من أجل إجراء الحوار المعمَّق، وتنفيد إتفاقات القاهرة التي وقَّع عليها الجميع في 4/5/2011. وعلى هذا الطريق قطعَ الفريق الفلسطيني شوطاً مهماً بعد الاستماع إلى الآراء، ووجهات النظر، والتعديلات، والتوضحيات من الجميع، ثم كان الاتفاق على إصدار البيان الختامي للجلسات بتاريخ 22/11/2017.
ومن صيغة البيان كان واضحاً أن القيادات الفلسطينية ناقشت مختلف القضايا، واتفقت على مبادئ أساسية، وأوصت مختلف اللجان المعنية بآليات المعالجة أن تستكمل الدراسات التفصيلية، في أقرب وقت وتقدمها إلى قيادة الفصائل، كي تسِّهل إنجاز هذه المهمة الأساسية في عملية المصالحة، وهذه الآلية هي عامل مساعد للوصول إلى الهدف الأساس الذي يجب التوصل إليه خلال الجدول الزمني المقرر، المتفق عليه بين الجانب المصري، والجانب الفلسطيني. ومن يدقق جيداً في حيثيات الواقع خلال السنوات السابقة يدرك كم هي الأمور معقدة، والمعالجة الصادقة والجدية من قبل الأطراف المعنية هي الضمانة الوحيدة، للوصول إلى شاطئ الأمان. فالإصلاح والمصالحة دائماً هي عملية شاقة ودقيقة، لأن هناك أطرافاً ليس لها مصلحة بأن تتم، خاصةً الجانب الإسرائيلي.
ثانياً: إنَّ السلوك الاميركي الصهيوني، والذي ينحاز بشكل كامل إلى مصالح الاحتلال الاسرائيلي، ويتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، ويحرِّض مختلف الأطراف الدولية والاقليمية والعربية على القيادة الفلسطينية لمحاصرتها، والتضييق عليها سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً، تميهداً لفرض رؤية ترامب وصفقته البشعة تجاه معالجة القضية الفلسطينية، وهي في حقيقة الأمر تصفية القضية الفلسطينية، فكل ما تسرَّب من الجانب الاميركي والاسرائيلي لا يمكن وصفه إلاّ بالمؤامرة على وجود الشعب الفسطيني، وحقوقه، وخاصة حق تقرير المصير كباقي  شعوب الأرض، فاليوم نحن الفلسطينيين للأسف بانتظار رؤية أميركية صهيونية تجرد الفلسطينيين من حق تقرير المصير، فليس لهم دولة ذات سيادة على أرضهم، وانما وجود متناثر في كانتونات تحت السيادة الامنية الإسرائيلية. أما القدس فهي في الدستور الاميركي السياسي عاصمة لإسرائيل، وأن الضفة الغربية بكاملها هي أرض إسرائيلية، واذا عاش الفلسطينيون أصحابُ الأرضِ منذ أربعة الآف سنة- فهم يعيشون كغرباء على طريق استئصالهم. وما يقترحه ترامب وحليفه نتنياهو على العرب والفلسطينيين هو منحهم عدة مليارات من الدولارات، والمساعدة ببناء منشآت اقتصادية وصناعية، سواء في الضفة أو في غزة. أي تقديم أموال بدلاً من الدولة المستقلة، والقدس، وعودة اللاجئين، والحرية. وهذا يعني إعلان الحرب على الشعب الفلسطيني، وعلى وجوده، وعلى مستقبله، وللأسف ليس هناك إرادة عربية قادرة على الرفض لهذا المشروع الصهيوني، وليس هناك إرادة دولية قادرة على فرض قراراتها على الاحتلال الاسرائيلي الذي أصبح يتحكم بكل الاراضي الفلسطينية، ويعتدي على المقدسات، ويمارس التنكيل، والتعذيب، والاعدام بحق الإنسان الفلسطيني لإرغامه على المغادرة.
على هذه الارضية الخطيرة والشريرة يجب أن نفهم قيمة المصالحة وأهميتها في تحديد مسيرتنا الكفاحية.
ثالثاً: من  الواضح أن موضوع السلاح في قطاع غزة مازال يخضع للنقاش، والقضية الجوهرية فيه هي أنه سلاح متطور وليس مجرد بنادق أو قذائف7B، وقد استخدم في السنوات السابقة في الحروب  الثلاثة ضد الاحتلال وعدوانه، وحركة حماس هي صاحبة القرار حتى الآن في استخدامه. فحركة فتح، وحركة حماس، والجانب المصري يدركون منذ بداية المصالحة الملابسات في هذا الموضوع والتعقيدات المحيطة به، لكنهم دون شك يضعون تصوراً معيَّناً للمعالجة النهائية وهي ترتكز إلى الأسس التالية:
أ‌- إِنَّ السلطة الوطنية هي صاحبة القرار الأول في كافة المجالات  الخاضعة لها، وأية إزدوجية في اتخاذ القرارات من شأنها أن تؤدي إلى الانقسام أو الصراع. وهذا يعني ضرورة أن تكون كافة الأجهزة الأمنية، وكافة الأسلحة تحت سيطرة السلطة وتأتمر  بتعليماتها المركزية،فالقرار العسكري له مرجعية واحدة، ولا يجوز تعدد المرجعيات حتى لاتعم الفوضى والخلافات.
ب‌- إِنَّ السلطة وهي تحت الاحتلال، لا تسمح بوجود مجموعات عسكرية مسلَّحة  خارجَ تشكيلاتها المعروفة، لأنَّ هذا سيؤدي إلى الفوضى العارمة وفقدان السيطرة. وهذا ما تم تطبيقه في الضفة الغربية على حركة فتح قبل الفصائل. وهذا ما ساعد على ضبط النظام هناك.
ت‌- إنَّ التعاطي مع هذا الموضوع سيتم بشكل تدريجي، وبعقلانية وموضوعية، لأن هناك مسلَّمات لابد من الالتزام بها، وهي أنَّ قرار إِستخدام السلاح، أو التصرف به، هو قرار سياسي تتخذه القيادة السياسية التي تمثل الكلَّ الفلسطيني أي الإجماع، وهذا يتم عملياً عندما يتم تمكين حكومة الوفاق في القطاع، وعندما تتمكن القيادة الفلسطينية مجتمعة من التوصل إلى صيغة العمل المشترك، وتنفيذ الآليات المتعلقة بتطوير وتفعيل م.ت.ف. وتنفيذ إتفاق 12/10/2017 بين حركتي فتح وحماس، ودعوة لجنة  الانتخابات المركزية والجهات المعنية لإنجاز كافة أعمالها التحضيرية لإجراء الانتخابات. وهذا يتطلب التأكيد على سيادة القانون،وحفظ الأمن والاستقرار بما يحمي أمن الوطن والمواطن.
ث‌- التسريع بإنجاز هذه المتطلبات يقود  إلى انتخابات نزيهة،سواء المجلس التشريعي، أو المجلس المركزي، أو اللجنة التنفيذية،وتحديد رئيس اللجنة التنفيذية، ورئيس السلطة الوطنية.
بمعنى أوضح فإن الاستراتجية الوطنية الفلسطينية التي يتم إقرارها هي صاحبة القرار في كيفية استخدام السلاح.
إنَّ رحلة تكريس المصالحة تحتاج إلى الجدية، والمصداقية، والتعاون بين مختلف الاطراف.
خاص مجلة "القدس"العدد 343 تشرين الثاني 2017/
مشاركة التدوينة :

مقالات

التعليقات الخاصة بالموضوع :

0 التعليقات :